وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سموات طِبَاقاً} أي متطابقةً بعضُها فوقَ بعضٍ {وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً} أي مُنوِّراً لوجهِ الأرضِ في ظُلمةِ الليلِ، ونسبتُهُ إلى الكُلِّ مع أنَّهُ في السماءِ الدُّنيا لما أنَّها محاطةٌ بسائرِ السمواتِ فما فيهَا يكونُ في الكُلِّ أو لأنَّ كُلَّ واحدةٍ منهَا شفافةٌ لا تحجبُ ما وراءَها فيُرى الكلُّ كأنَّها سماءٌ واحدةٌ ومن ضرورةِ ذلكَ أن يكونَ ما في واحدةٍ منهَا كأنَّه في الكُلِّ {وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً} يزيلُ ظلمةَ الليلِ ويبصرُ أهلُ الدُّنيا في ضوئِهَا وجهَ الأرضِ ويشاهدونَ الآفاقَ كما يبصرُ أهلُ البيتِ في ضوءِ السراجِ ما يحتاجونَ إلى إبصارِهِ وليسَ القمرُ بهذه المثابةِ إنما هو نورٌ في الجُملةِ {والله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً} أي أنشأكُم منها فاستعيرَ الإنباتُ للإنشاءِ لكونِهِ أدلَّ على الحدوثِ والتكونِ من الأرضِ، ونباتاً إما مصدر مؤكدٌ لأنبتكُم بحذفِ الزوائدِ ويسمَّى اسمَ مصدرٍ أو لما يترتبُ عليهِ من فعلِهِ أي أنبتكُم من الأرضِ فنبتُّم نباتاً ويجوزُ أن يكونَ الأصلُ أنبتكُم من الأرضِ إنباتاً فنبتُم نباتاً فيُحذفُ من الجملةِ الأُولى المصدرُ ومن الثانيةِ الفعلُ اكتفاءً في كلَ منهُمَا بما ذُكِرَ في الأُخْرَى كَمَا مرَّ في قولِهِ تعالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ موسى} وقولِهِ تعالَى: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ} {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} بالدفنِ عندَ موتِكُم {وَيُخْرِجُكُمْ} منها عند البعثِ والحشرِ {إِخْرَاجاً} محققاً لا ريبَ فيهِ {والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً} تتقلبونَ عليها تقلبَكُم على بُسُطِكُم في بيوتِكُم، وتوسيطُ لكُم بينَ الجعلِ ومفعوليهِ مع أنَّ حقَّهُ التأخيرُ لما مرَّ مراراً من الاهتمامِ ببيانِ كونِ المجعولِ من منافعِهم والتشويقِ إلى المؤخرِ فإنَّ النفسَ عند تأخيرِ ما حقُّه التقديمُ لا سيَّما عند كونَ المقدمِ ملوِّحاً بكونِهِ من المنافعِ تبقَى مترقبةً لهُ فيتمكنُ عندَ ورودِهِ لها فضلُ تمكنٍ.